سورة العلق - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (العلق)


        


عن ابن عباس ومجاهد: هي أول سورة نزلت. والجمهور على أن الفاتحة أول ما نزل ثم سورة القلم {اقرأ باسم رَبّكَ الذى خَلَقَ} محل {باسم رَبّكَ} النصب على الحال أي اقرأ مفتتحاً باسم ربك كأنه قيل: قل باسم الله ثم اقرأ الذي خلق. ولم يذكر الخلق مفعولاً لأن المعنى الذي حصل منه الخلق واستأثر به لا خالق سواه، أو تقديره خلق كل شيء فيتناول كل مخلوق لأنه مطلق فليس بعض المخلوقات بتقديره أولى من بعض. وقوله {خَلَقَ الإنسان} تخصيص للإنسان بالذكر من بين ما يتناوله الخلق لشرفه ولأن التنزيل إليه، ويجوز أن يراد الذي خلق الإنسان إلا أنه ذكر مبهماً ثم مفسراً تفخيماً لخلقه ودلالة على عجيب فطرته {مِنْ عَلَقٍ} وإنما جمع ولم يقل من علقة لأن الإنسان في معنى الجمع {اقرأ وَرَبُّكَ الأكرم} الذي له الكمال في زيادة كرمه على كل كريم ينعم على عباده النعم ويحلم عنهم، فلا يعاجلهم بالعقوبة مع كفرهم وجحودهم لنعمه، وكأنه ليس وراء التكرم بإفادة الفوائد العلمية تكرم حيث قال: {الذى عَلَّمَ} الكتابة {بالقلم عَلَّمَ الإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ} فدل على كمال كرمه بأنه علم عباده ما لم يعلموا ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم، ونبه على فضل علم الكتابة لما فيه من المنافع العظيمة، وما دونت العلوم ولا قيدت الحكم ولا ضبطت أخبار الأولين ولا كتب الله المنزلة إلا بالكتابة، ولولا هي لما استقامت أمور الدين والدنيا، ولو لم يكن على دقيق حكمة الله دليل إلا أمر القلم والخط لكفى به.
{كَلاَّ} ردع لمن كفر بنعمة الله عليه بطغيانه وإن لم يذكر لدلالة الكلام عليه {إِنَّ الإنسان ليطغى} نزلت في أبي جهل إلى آخر السورة {أَن رَّءاهُ} أن رأى نفسه. يقال في أفعال القلوب: رأيتني وعلمتني، ومعنى الرؤية العلم ولو كانت بمعنى الإبصار لامتنع في فعلها الجمع بين الضميرين {استغنى} هو المفعول الثاني {إِنَّ إلى رَبّكَ الرجعى} تهديد للإنسان من عاقبة الطغيان على طريق الالتفات. والرجعى مصدر بمعنى الرجوع أي إن رجوعك إلى ربك فيجازيك على طغيانك {أَرَءيْتَ الذى ينهى عَبْداً إِذَا صلى} أي أرأيت أبا جهل ينهى محمداً عن الصلاة {أَرَءيْتَ إِن كَانَ على الهدى} أي إن كان ذلك الناهي على طريقة سديدة فيما ينهى عنه من عبادة الله {أَوْ أَمَرَ بالتقوى} أو كان آمراً بالمعروف والتقوى فيما يأمر به من عبادة الأوثان كما يعتقد {أَرَءيْتَ إِن كَذَّبَ وتولى} أرأيت إن كان ذلك الناهي مكذباً بالحق متولياً عنه كما نقول نحن {أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ الله يرى} ويطلع على أحواله من هداه وضلاله فيجازيه على حسب حاله، وهذا وعيد وقوله {الذى ينهى} مع الجملة الشرطية مفعولا {أَرَأَيْتَ} وجواب الشرط محذوف تقديره: إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى ألم يعلم بأن الله يرى؟ وإنما حذف لدلالة ذكره في جواب الشرط الثاني وهذا كقولك: إن أكرمتك أتكرمني؟ و{أَرَأَيْتَ} الثانية مكررة زائدة للتوكيد.


{كَلاَّ} ردع لأبي جهل عن نهيه عن عبادة الله وأمره بعبادة الأصنام. ثم قال: {لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ} عما هو فيه {لَنَسْفَعاً بالناصية} لنأخذن بناصيته ولنسحبنه بها إلى النار، والسفع: القبض على الشيء وجذبه بشدة، وكتبها في المصحف بالألف على حكم الوقف، واكتفى بلام العهد عن الإضافة للعلم بأنها ناصية المذكور {نَاصِيَةٍ} بدل من {الناصية} لأنها وصفت بالكذب والخطأ بقوله {كاذبة خَاطِئَةٍ} عن الإسناد المجازي وهما لصاحبها حقيقة وفيه من الحسن والجزالة ما ليس في قولك (ناصية كذاب خاطئ) {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزبانية} النادي المجلس الذي يجتمع فيه القوم، والمراد أهل النادي. روي أن أبا جهل مر بالنبي عليه السلام وهو يصلي فقال: ألم أنهك فأغلظ له رسول الله عليه السلام فقال: أتهددني وأنا أكثر أهل الوادي نادياً فنزل. والزبانية لغة الشرط الواحد زبنية من الزبن وهو الدفع، والمراد ملائكة العذاب وعنه عليه السلام: «لو دعا ناديه لأخذته الزبانية عياناً» {كَلاَّ} ردع لأبي جهل {لاَ تُطِعْهُ} أي اثبت على ما أنت عليه من عصيانه كقوله {فَلاَ تُطِعِ المكذبين} [القلم: 8] {واسجد} ودم على سجودك يريد الصلاة {واقترب} وتقرب إلى ربك بالسجود فإن أقرب ما يكون العبد إلى ربه إذا سجد كذا الحديث والله أعلم.